لا تحظى الصحة النفسية بالاهتمام الكافي في مجال التعليم الجامع. ولابد لهذا الموقف أن يتغير.
بقلم إنغريد لويس ولورا ديفيدسون.
شبكة تمكين التعليم
٢٩ اكتوبر ٢٠١٩
تجارب كل من آدي و راينا:
يعيش آدهي في إندونيسيا. ترك والده العائلة العام الماضي عندما كان آدهي في التاسعة من عمرة. لا أحد يعرف إن اتخفى والدة. كان على آدهي الاعتناء بوالدته وإخوانه لانه اصبح “رجل البيت” كما رأى اجداده. في بداية الأمر شعر آدهي بالفخر لتوليه هذا الدور المهم، ولكن مع ازدياد صعوبة الأمور في المنزل والمشاكل المالية، بدأ آدهي يشعر بقلق متزايد وتعرض لعدة نوبات هلع في المدرسة مما جعل الصبيان الآخرون يسخرون منه. كان الامر محرجاً جداً بالنسبة لآدهي مما ساهم في إزياد قلقه. أدى هذا الواقع الي عزف آدهي عن التحدث مع الأخرين ورفضه ترك البيت أو الذهاب إلى المدرسة.
راينا من ملاوي ” Republic of Malawi ” تبلغ من العمر ١٤ عاماً. على مدى سنوات عدة كانت سمعت أصواتاً في مخيلتها عندما كانت صغيرة قالت لوالدها أنها ربما كانت تتحدث إلى أصدقاء وهميين، كغيرها من الأطفال. ومع ذلك، ومع تقدمها في السن كانت على يقين بأن هذا التفسير لم يكن الحقيقة. في بعض الأحيان كانت الأصوات عالية جداً ولم يكن بمقدورها إيقاف هذه الاصوات. لن تتمكن من النوم لأيام وكانت تجد صعوبة بالغة في إنجاز أعمالها المدرسية. وقد واجهت عقاب متكررة لفشلها في إكمال الواجبات أو اجتياز الاختبارات المدرسية. في الاشهر القليلة الماضية طلبت هذه الاصوات من راينا ان تقتل نفسها. سيطر الخوف على راينا. في إحدى الليالي تناولت بعض من كحول والدها، فهدأت هذة الأصوات في رأسها. الآن تحاول سرقة الكحول من العائلة والجيران قدر الإمكان.
آدهي و راينا هما طفلان مختلفان جداً يعيشان في أماكن مختلفة ايضاً، ولكن كلاهما يواجه اضطرابات في الصحة النفسية. لقد بدأ القلق في ازداد عندما غادر والد آدهي. عاشت راينا تلك الاصوات التي سمعتها طوال حياتها. فإن التعرض اضطرابات في الصحة النفسية أمر مخيف لكلا الطفلين وله تأثير خطير على رحلتهما التعليمية. فعلى الصعيد العالمي، يعاني ملايين الأطفال مثل آدهي وراينا من قضايا تتعلق بالصحة النفسية، ولكن الصعوبات والتجارب التي يواجهونها التي يعاني منها هذان الطفال لا يعترف بها في كثير من الأحيان، أو يتم معالجتها بفعالية في المدارس.
الوصمة وسوء الفهم:
يدور نقاش متزايد حول قضايا الإعاقة وكيفية معالجتها في التعليم والمجتمع، لا تزال قضايا الصحة النفسية محكومة بالوصمة. هناك فهم محدود للصحة النفسية بين الأسر والمجتمعات المحلية وكذلك في المدارس، مما يؤدي إلى صدور المواقف السلبية والخوف إزاء أفراد الأسرة أو المتعلمين الذين يعانون من اضطرابات في الصحة النفسية. وكثيراً ما يفتقر موظفو التعليم المختصون في دعم المتعلمين إلى المعرفة والمهارات والثقة من أجل تقديم الدعم للمتعلمين الذين يعانون من اضطرابات في الصحة النفسية وكذلك لأسرهم. وكثيرا ما يستثني موضوع الصحة النفسية من التقدم المحرز في مجال سياسات وممارسات التعليم الجامع ودمج ذوي الإعاقة، ولا بد من معالجة ذلك على وجه السرعة. ولإحراز المزيد من التقدم يجب معالجة بعض الخرافات وسوء الفهم وتفكيك هذه الاساطير حول الصحة النفسية.
سنناقش في هذا المقال بعض الافتراضات غير المشروعة حول قضايا الصحة النفسية وكيفية ارتباطها بالتعليم الجامع. يهدف هذه المقال الي تشجيع النقاش حول هذا الموضوع الحيوي والمهم ونحن ملتزمون بتوفير شبكة تمكين التعليم العالمية EENET لتبادل الخبرات العملية لدعم ودمج المتعلمين الذين يعانون من مشاكل في الصحة النفسية.
الصحة النفسية واتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة:
وتنص المادة رقم (١) من اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة على أن “الأشخاص ذوي الإعاقة يضمون الأشخاص الذين يعانون من اعاقات بدنية أو عقلية أو ذهنية أو حسية طويلة الأجل، قد تعوق مشاركتهم الكاملة والفعالة في المجتمع على قدم المساواة مع الآخرين، في سياق التفاعل مع مختلف الحواجز”
وتشير كلمة “تضمين” إلى أن المادة رقم (١) تعطي أمثلة على ما يرقى إلى مستوى الإعاقة، وبالتالي فإن “الإعاقة” غير محددة بالتفصيل في إتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة. وهذا يتيح للبلدان التي وقعت على الاتفاقية قدرا كبيراً من الحرية فيما يتعلق بتعريف الإعاقة في قانونينها الداخلية. غير أن لجنة حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة ذكرت وبصراحة أن الأشخاص المصابين بأمراض نفسية (يشار إليهم باسم “الإعاقة النفسية الاجتماعية”) وبالتلى يخضعون للاتفاقية رقم (١).
تفيك بعض المفاهيم الخاطئة الشائعة
.الافتراض: الصحة النفسية هي قضية للكبار فقط. غير صحيح.
يمكن أن يعاني الأفراد وعلى مختلف أعمالهم من اضطرابات تتعلق بالصحة النفسية. ولسوء الحظ، يمكن تفسير صعوبات الصحة النفسية لدى الأطفال والمراهقين على أنها “سلوك سيء” أو “مشاكل سلوك نموذجية تخص المراهقين”. وفي كثير من الأحيان تظهر اضطرابات في الصحة النفسية في مرحلة الطفولة أو المراهقة ولكن لا يتم تشخيصها وبالتالي فهي تستمر وتزداد حتى مرحلة البلوغ. وتقدر جمعية الأطفال في المملكة المتحدة أن ١٠ في المائة من الأطفال والمراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين ٥ و١٦ سنة يعانون من اضطرابات في الصحة النفسية، ومع ذلك فإن ٧٠ في المائة من هؤلاء الشباب لا يتلقون التدخلات المناسبة والدعم بسرعة كافية لتحسين صحتهم.
الافتراض: إن المتعلمين في حالات الطوارئ والأزمات هم فقط من يواجهون قضايا تتعلق بالصحة النفسية. غير صحيح.
إن تردي الصحة النفسية أمر يمكن ان يحدث لأي متعلم في مختلف البلدان والمواقف التي يتعرض لها المتعلم. وقد يواجه الأطفال والشباب الذين يعيشون في حالات الأزمات و الطوارئ والصراع خطراً أكبر من سوء المعاملة والعنف والصدمة التي تؤثر على صحتهم النفسية. وقد يواجهون تحديات أكبر في الحصول على الدعم والاحتياجات التعليمية المتعلقة بالصحة النفسية المعترف بها، ولا سيما إذا كانت أسباب الاضطرابات النفسية التي يعاني منها المتعلمين طويلة الأجل بدلاً من أن تكون ناجمة مباشرة عن صدمة الأزمة أو الصراع. ولكن يجب ان لا يقتصر تقديم العون فقط للمتعلمين في حالات الطوارئ والذين يعانون من تردي في الصحة النفسية.
Continue reading “الصحة النفسية والتعليم الجامع”